فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} أي من قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} حكاه مَكِّي والماوَرْدِيّ.
وقال الزَّهراويّ: ما أبدوه هو بِدارُهم بالسجود لآدم.
{وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جُبير: المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والمعصية.
قال ابن عطية: وجاء {تكتمون} للجماعة؛ والكاتم واحد في هذا القول على تجوّز العرب واتساعها؛ كما يقال لقوم قد جَنَى سَفيهٌ منهم: أنتم فعلتم كذا.
أي منكم فاعله، وهذا مع قصد تعنيف، ومنه قوله تعالى: {إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] وإنما ناداه منهم عُيَيْنَة، وقيل الأَقْرَع.
وقالت طائفة: الإبداء والمكتوم ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم أجمع.
وقال مهدي بن ميمون: كنا عند الحسن فسأله الحسن ابن دِينار ما الذي كتمت الملائكة؟ قال: إن الله عز وجل لما خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجبًا، وكأنهم دخلهم من ذلك شيء، قال: ثم أقبل بعضهم على بعض وأسرُّوا ذلك بينهم، فقالوا: وما يهمكم من هذا المخلوق! إن الله لم يخلق خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه.
و{ما} في قوله: {ما تبدون} يجوز أن ينتصب ب {أعلم} على أنه فعل، ويجوز أن يكون بمعنى عالم وتنصب به {ما} فيكون مثل حَوَاجّ بيت الله، وقد تقدّم. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله تعالى: {أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض} معناه: ما غاب عنكم؛ لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء، الكلُّ معلوم له.
واختلف في قوله تعالى: {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.
فقال طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع، {وإِذْ} من قوله: {وَإِذْ قُلْنَا للملائكة} معطوفةٌ على {إذِ} المتقدِّمة، وقولُ اللَّه تعالى وخطابه للملائكةِ متقرِّر قديم في الأَزَلِ؛ بشرط وجودهم وفهمهم، وهذا هو الباب كله في أوامر اللَّه تعالى ونواهيه ومخاطباته.
ت: ما ذكره رحمه اللَّه هو عقيدةُ أهل السنة، وها أنا أنقل من كلام الأئمة، إن شاء اللَّه، ما يتبيَّن به كلامه، ويزيده وضوحًا، قال ابن رُشْدٍ: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» لا يفهم منه أن للَّه عز وجل كلماتٍ غَيْرَ تامَّات؛ لأن كلماته هي قوله، وكلامه هو صفةٌ من صفات ذاتِهِ يستحيلُ عليها النقص، وفي الحديث بيانٌ واضحٌ على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ، وهذا هو قول أهل السنة، والحقّ أن كلام اللَّه عز وجل صفة من صفات ذاته قديمٌ غيرُ مخلوقٍ؛ لأن الكلام هو المعنى القائِمُ في النفسِ، والنطقُ به عبارةٌ عنه؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَيَقُولُونَ في أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] فأخبر أن القول معنًى يقوم في النفْسِ، وتقول: في نَفْسِي كَلاَمٌ، أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهومُ من كلامه، وأما الذي تسمعه منه، فهو عبارةٌ عنه؛ وكذلك كلام اللَّه عز وجل القديمُ الذي هو صفة من صفاتِ ذاته هو المفهومُ من قراءة القارئ لا نَفْسُ قراءته التي تسمعها؛ لأنَّ نفس قراءته التي تسمعها مُحْدَثَةٌ، لم تكن؛ حتى قرأ بها، فكانت، وهذا كله بيِّن إلا لمن أعمى اللَّه بصيرته. انتهى بلفظه من البَيَانِ.
وقال الغَزَّالِيُّ بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابن رشد: وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده؛ حتى إذا خلق ولده، وعقل، وخلق اللَّه سبحانه له علْمًا بما في قلْب أبيه من الطَّلَب، صار مأمورًا بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عزَّ وجلَّ: {فاخلع نَعْلَيْكَ} [طه: 12] بذات اللَّه تعالى، ومصير موسى عليه السلامُ سَامِعًا لذلك الكلامِ مخاطَبًا به بعد وجوده؛ إذ خلقت له معرفة بذلك الطلبِ، ومعرفةُ بذلك الكلامِ القديمِ. انتهى بلفظه من الإحياء. اهـ.

.قال القرطبي:

في هذه الآية دليل على فضل العلم وأهله؛ وفي الحديث: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رِضًا لطالب العلم» أي تخضع وتتواضع؛ وإنما تفعل ذلك لأهل العلم خاصّة من بين سائر عيال الله؛ لأن الله تعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام فتأدّبت بذلك الأدب.
فكلما ظهر لها عِلْم في بشر خضعت له وتواضعت وتذلّلت إعظامًا للعلم وأهله، ورضًى منهم بالطلب له والشغل به.
هذا في الطلاب منهم فكيف بالأحبار فيهم والربّانيين منهم! جعلنا الله منهم وفيهم، إنه ذو فضل عظيم. اهـ.
وقال القرطبي:
اختلف العلماء من هذا الباب، أيّما أفضل الملائكة أو بنو آدم على قولين: فذهب قوم إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة.
وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل.
احتج من فضّل الملائكة بأنهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 27].
{لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 66].
وقوله: {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْدًا للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون} [النساء: 172] وقوله: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائنُ الله وَلاَ أَعْلَمُ الغيب وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50].
وفي البخاريّ: «يقول الله عز وجل مَن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» وهذا نص.
احتج من فضَّل بني آدم بقوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البريئة} [البينة: 7] بالهمز، مِنْ برأ الله الخلق.
وقوله عليه السلام: «وإنّ الملائكة لتَضَع أجنحتها رِضًى لطالب العلم» الحديث.
أخرجه أبو داود، وبما جاء في أحاديثَ مِن أن الله تعالى يُباهِي بأهل عَرفات الملائكة، ولا يُباهي إلا بالأفضل، والله أعلم.
وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم؛ لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة؛ وليس هاهنا شيء من ذلك، خلافًا للقدرية والقاضي أبي بكر رحمه الله حيث قالوا: الملائكة أفضل.
قال: وأما من قال من أصحابنا والشِّيعة: إن الأنبياء أفضل لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، فيقال لهم: المسجود له لا يكون أفضل من الساجد، ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الأمة.
ولا خلاف أن السجود لا يكون إلا لله تعالى؛ لأن السجود عبادة؛ والعبادةُ لا تكون إلا لله، فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة لا يدل على أن الجهة خير من الساجد العابد؛ وهذا واضح.
وسيأتي له مزيد بيان في الآية بعد هذا. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)}.
التفسير:
وفيه أبحاث:

.البحث الأول: هل اللغات كلها توقيفية؟

الأشعري والجبائي والكعبي على أن اللغات كلها توقيفية بمعنى أن الله تعالى خلق علمًا ضروريًا بتلك الألفاظ وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني بدليل قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} {لا علم لنا إلا ما علمتنا} وهذا يدل على أن الملائكة وآدم لا يعلمون إلا بتعليم الله تعالى إياهم. وخالفهم أصحاب أبي هاشم الذاهبون إلى أن اللغات اصطلاحية وضعها البشر واحد أو جماعة. وحصل التعريف للباقين بالإشارة والقرائن كالأطفال فقالوا: المراد ألهمه وبعث داعيته على الوضع مثل {وعلمناه صنعة لبوس لكم} [الأنبياء: 80]. أي ألهمناه، أو المراد علمه ما سبق من اصطلاحات قوم كانوا قبل آدم. وأجيب بأن الأصل عدم العدول عن الظاهر: قالوا {ثم عرضهم} يدل على أن المراد بالأسماء المسميات، فإن عرض الأسماء غير معقول. فإذن المراد أسماء المسميات فعوض الألف واللام عن المضاف إليه كما في قوله: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] أي علمه أسماء كل ما خلق من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولده اليوم من العربية والفارسية والرومية وغيرها، وكان ولد آدم يتكلمون بهذه اللغات، فلما مات وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد بلغة واحدة معينة من تلك اللغات، فلما مات وتفرق ولده في نواحي العالم تكلم كل واحد بلغة واحدة معينة من تلك اللغات، فلما طالت المدة ومضت القرون نسوا سائر اللغات. ثم لا يبعد بل ينبغي أن يكون الله تعالى قد علمه مع ذلك صفات الأشياء ونعوتها وخواصها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية، لأن اشتقاق الاسم إما من السمة أو من السمو.
فإن كان من السمة فالاسم هو العلامة وصفات الأشياء وخواصها دالة على ماهياتها وعلامة عليها، وإن كان من السمو فدليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء، فإن العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول. وإنما قلنا ينبغي ذلك لأن الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أكثر من الفضيلة في معرفة أسمائها. ثم من الحقائق ما يتوقف إدراكها على آلة تدرك بها كالمبصرات والمسموعات وغيرها، فإذا كان لآدم تلك الآلات وقد عرفها بها، ولم يكن للملائكة ذلك لزم عجزهم. وأيضًا العربي لا يحسن منه أن يقول لغيره تكلم بلغتي، لأن العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات، بل إن حصل التعليم حصل العلم بها وإلا فلا. أما العلم بحقائق الأشياء، فالعقل يتمكن من تحصيله فصح وقوع التحدي به. وإنما قيل {ثم عرضهم} بلفظ الذكور، لأن في جملة المسميات الملائكة والثقلين وهم العقلاء، فغلب الكامل على الناقص، والتذكير على التأنيث. ومن الناس من تمسك بقوله: {أنبؤني بأسماء هؤلاء} على جواز تكليف ما لا يطاق وهو ضعيف، لأنه إنما استنبأهم مع علمه بعجزهم تبكيتًا لهم بدليل قوله: {إن كنتم صادقين} أي في أني لا أخلق خلقًا إلا كنتم أعلم منهم. وقيل: أي في قولكم إنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون له وتقومون به وهو قول ابن عباس وابن مسعود. وقيل: أعلموني بأسماء هؤلاء إن علمتم أنكم تكونون صادقين في ذلك الإعلام. وقيل: أخبروني ولا تقولوا إلا حقًا وصدقًا، فيكون الغرض منه التوكيد لما نبههم عليه من القصور لأنه متى تمكن في أنفسهم العلم بأنهم إن أخبروا لم يكونوا صادقين ولا لهم إليه سبيل، لم يجترءوا على الجواب. ثم إن الذين اعتقدوا معصية الملائكة في قولهم: {أتجعل} قالوا: إنهم لما عرفوا خطأهم تابوا واعتذروا بقولهم: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} والذين أنكروا معصيتهم قالوا: إنهم قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز التسليم كأنهم قالوا: لا نعلم إلا ما علمتنا، فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه؟ أو أنهم إنما قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] لأن الله تعالى أعلمهم ذلك. فكأنهم قالوا: إنك علمتنا أنهم يفسدون في الأرض فقلنا لك: أتجعل. وأما هذه الأسماء فإنك ما علمتنا فكيف نعلمها؟ ومعنى سبحانك نسبحك تسبيحًا أي ننزهك تنزيهًا وهو مصدر غير متصرف أي لا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوبًا على المصدرية، فإذا استعمل غير مضاف كان سبحان علمًا للتسبيح، فإن العلمية كما تجري في الأعيان تجري في المعاني. قالت المعتزلة هاهنا: المراد أنه لا علم لنا إلا من جهتك إما بالتعليم وإما بنصب الأدلة. وقالت الأشاعرة: بل الجميع بالتعليم لأن المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل، وأنه يستند إلى توفيق الله تعالى وتسهيله.
ثم احتج أهل الإسلام بالآية، أنه لا سبيل إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله، وأنه لا يمكن التوصل إليها بعلم النجوم والكهانة. وللمنجم أن يقول للمعتزلي: إذا فسرت التعليم بوضع الدليل فعندي حركات النجوم دلائل خلقها الله تعالى على أحوال هذا العالم، فيكون من جملة ما علمه الله تعالى أنك أنت العليم بكل المعلومات، فأمكنك تعليم آدم الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه. وعن ابن عباس: أن مراد الملائكة من الحكيم أنه هو الذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض. وقوله: {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض} استحضار لقوله تعالى لهم {إني أعلم ما لا تعلمون} إلا أنه تعالى جاء به على وجه أبسط وأشرح، فيندرج فيه علمه بأحوال آدم قبل أن خلقه. وفيه دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها، فيبطل مذهب هشام ابن الحكم أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وقوعها. وقد روى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود أنه يريد بقوله: {ما تبدون} قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} وبقوله: {وما كنتم تكتمون} ما أسر إبليس في نفسه من الكفر والكبر وأن لا يسجد. وقيل: لما خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجيبًا فقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه، فهذا هو الذي كتموه. ويجوز أن يكون هذا القول منهم سرًا أسروه بينهم فأبداه بعضهم لبعض وأسروه عن غيرهم، فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان. والظاهر أنه عام كقوله: {إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} [الأنبياء: 11] {إنه يعلم الجهر وما يخفى} [الأعلى: 7].

.البحث الثاني: معجزات آدم عليه السلام:

قالت المعتزلة: ما ظهر من آدم معجز دل على نبوته في ذلك الوقت فكان مبعوثًا إلى حواء أو إلى من توجه التحدي إليهم، لأنهم كانوا رسلًا فقد يجوز الإرسال إلى الرسل كبعثة إبراهيم إلى لوط صلى الله عليه وسلم واحتجوا بأن حصول ذلك العلم له ناقض العادة ومنع بأن حصول العلم بالأسماء لمن علمه الله، وعدم حصوله لمن لم يعلمه ليس بناقض للعادة. وأيضًا أهم علموا أن تلك الأسماء موضوعة لتلك المسميات أو لا؟ فإن علموا فقد قدروا على المعارضة وإلا فكيف عرفوا أن آدم أصاب فيما ذكر، اللهم إلا أن يقال: إن لكل صنف منهم لغة من تلك اللغات، ثم إن جميع الأصناف حضروا وإن آدم عرض عليهم جميع تلك اللغات فكان معجزًا، أو يقال: إنه تعالى عرفهم قبل أن يسمعوا من آدم تلك الأسماء فاستدلوا به على صدق آدم. والظاهر أنهم قد عرفوا صدقه بتصديق الله تعالى إياه، ولئن سلم أنه ظهر منه فعل خارق للعادة فلم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات أو من باب الإرهاص وهما عندنا جائزان؟ القاطعون بأنه عليه السلام ما كان نبيًا في ذلك الوقت قالوا: صدرت الكبيرة منه بعد ذلك، والإقدام عليها يوجب الطرد والتحقير، فوجب أن تكون النبوة متأخرة عنها، كيف وقد قال عز من قائل: {ثم اجتباه ربه} [طه: 122] والرسالة هي الاجتباء، فيكون بعد الزلة. وأيضًا لو كان رسولًا، فإن لم يكن مبعوثًا إلى أحد فلا فائدة، وإن كان مبعوثًا فإما إلى الملائكة- وهم أفضل من البشر عند المعتزلة- ولا يجوز جعل الأدون رسولًا إلى الأشرف، وإن المرء إلى قبول القول ممن هو من جنسه أمكن {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا} [الأنعام: 9] وإما إلى الأنس، ولا إنسان إلا حواء، وإنها عرفت التكليف لا بواسطة آدم بدليل {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35] وإما إلى الجن، وما كان في السماء أحد من الجن.